الأخبار

تركيا والعالم العربي: التحديات الجيو ستراتيجية المشتركة

تتجلى أهم الانشغالات الأمنية للشرق الأوسط الكبير في البرنامج النووي الإيراني، واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وحصارها لغزة، والنزعات الانفصالية، والتطرف الديني، وقضية ندرة الماء. وكانت هذه التحديات كلها محور منتدى الحوار الليبرالي العربي التركي، المنظم مؤخرا من طرف” فريدريش نومان” بمدينة إسطنبول.
في ما يتعلق بإيران، يتمثل التحدي، حسب الليبراليين العرب والأتراك، في كيفية إقناع هذا البلد بالانخراط في طريق تبعده عن التسلح النووي وتسير به في اتجاه التزام بنّاء بالاستقرار الجهوي. ويتعين أن تقوم هذه المقاربة على قاعدة تقول باحترام الخيارات السياسية لإيران من جهة ودعوتها إلى تحمل مسؤوليتها كلاعب أساسي في استقرار المنطقة من جهة أخرى. وبدل فرض العزلة عليها، فإن العمل على انخراطها، على مختلف المستويات، في الحوار السياسي والتفاعل المدني بين مختلف الجماعات ومنظمات المجتمع المدني يمكن أن يكون أداة فعالة لوضعها أمام مسؤوليتها كفاعل إقليمي.
إن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وحصارها لغزة صار اليوم مصدرا أكبر لعدم الاستقرار في المنطقة. وبحكم أنهم معتدلون ومحايدون بشكل أو بآخر، يمكن لليبراليين في المنطقة لعب دور مهم في مراقبة قضايا حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة والدعوة إلى رفع الحصار عن غزة ووضع حد للاستيطان، والعمل مع منظمات المجتمع المدني لدى الجانبين للنهوض بمهام معالجة قضايا الحياة اليومية للفلسطينيين، في انتظار إيجاد حل للصراع وما دام هناك نقاش حول مسلسل السلام – بشرط أن تكون إسرائيل مهتمة فعلا بتحقيقه- وذلك تطبيقا لمختلف القرارات الأممية التي لها علاقة بالقضية.
أما في ما يخص النزعات الانفصالية، فهي منتشرة في المنطقة: تركيا، العراق، جنوب السودان، إيران، اليمن، لبنان، جنوب المغرب، وفلسطين….فكل هذه البلدان تشهد شكلا من أشكال الانفصال، القائم على الإثنية أو الدين أو بقايا الحرب الباردة، والمدعوم في معظم الحالات من طرف قوى أو جماعات خارجية. ويتمثل الهم الأكبر هنا في كيفية احتواء هذه النزعات الانفصالية حتى لا تتسبب في عدم استقرار تلك البلدان بل والمنطقة بأسرها. و حسب الليبراليين العرب والأتراك، يتعين أن تقوم أية مقاربة تروم معالجة القضية على دعم حقوق الأقليات ولكن دون المساس بالوحدة الترابية للبلدان المعنية. إن تعزيز الحرية والمساواة وسيادة القانون والديمقراطية في المنطقة برمتها من جهة، واستثمار الموارد في برامج القضاء على الفقر في بؤر النزاعات من جهة ثانية، يمكنها أن تقلص من حدة عدم الاستقرار وخلق سياق اجتماعي سياسي لظهور حلول سلمية وديمقراطية للنزاعات والاختلافات.
إن التطرف الديني يشكل تهديدا حقيقيا للمنطقة كلها، وتطويقه حتى لا يتسبب في زعزعة استقرار بلدان مثل أفغانستان وباكستان واليمن والبلدان المجاورة للساحل، ولبنان وفلسطين وبلدان الخليج، سيكون تحديا صعبا إن لم يتم خلق تعاون بين هذه البلدان. بالموازاة مع هذا، ينبغي لهذه البلدان أن تنخرط في بلورة أشكال أكثر ليبرالية لإسلام متسامح ومحترم لحقوق الإنسان ولدعم اعتماد القيم الكونية في البرامج التعليمية لكل بلدان المنطقة.
وأخيرا وليس آخرا، يمكن أن تتحول ندرة الماء والتصحر إلى مصادر لعدم الاستقرار في العديد من بلدان المنطقة. فقد تطفو على السطح في أي لحظة قضية الماء بين العراق وسوريا من جهة وتركيا من جهة ثانية، ويمكن أن تسيء إلى علاقاتهم التي عرفت في الآونة الأخيرة بعض التحسن ( على الأقل بين سوريا وتركيا). أما اليمن فهو فعلا بلد يعاني من شح المياه، ونسبة كبيرة من نزاعاته الداخلية لها علاقة بالماء. ويمكن أن تخوض مصر والسودان حربا مع بلدان البحيرات الكبرى في شرق إفريقيا إن صممت هذه الأخيرة على المضي قدما في بناء سدود في المناطق القريبة من منابع النيل. ويساهم التصحر في زعزعة استقرار مجتمعات برمتها في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل، مما يجعلها هدفا سهلا للتجنيد من طرف القاعدة وتجار المخدرات وتجار البشر.إن إنشاء آلية جهوية لتدبير قضايا الماء والتصحر والبيئة وتشجيع الحلول العلمية البديلة هو أحد السبل الكفيلة بالتخفيف من حدة تأثير شح المياه والتصحر على المنطقة.
هكذا نرى أن تركيا والبلدان العربية توجد اليوم في وضع جيد للعمل على إيجاد حلول دائمة لبعض القضايا الأمنية التي تواجهها المنطقة. إن إعادة اكتشاف التاريخ المشترك، ووجود الموارد الطاقية الكافية والموارد المالية و الرأس المال البشري، وكذلك صعود منظمات المجتمع المدني والمنابر الإعلامية الموازية تشكل كلها فرصا من شأن الاستفادة منها أن تحقق تغييرا إيجابيا وأن تخلق أملا في بناء منطقة يعمها السلام والرفاه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لحسن حداد (*)

(*) خبير في الدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى