Non classé

في تقرير حول ورشة “الأمازيغية بين الثقافي والسياسي” للجامعة الربيعية للحركة الشعبية

انعقدت أشغال الورشة الأولى المخصصة لموضوع “الأمازيغية بين الثقافي والسياسي” برئاسة الأستاذ أحمد الموساوي، وتحمل مسؤولية انجاز تقرير حول هذه الورشة السيدان جدو الإدريسي وعلي الأنصاري.
وقد عرفت هذه الورشة مداخلات كل من الأساتذة خلا السعيدي، عدي السباعي، مصطفى عنترة، مريم الدمناتي وحسن المعوني.

خلال مداخلته، أكد الأستاذ خلا السعيدي، أحد الأطر النشيطة بالحركة الشعبية وأحد الوجوه المتمرسة في العمل البرلماني، على نهاية المد الإيديولوجي وانطلاق أسئلة جديدة في العالم ترتبط بما يصطلح عليه بالحضارة الإنسانية الثالثة والتي حدد مقوماتها في ثلاثة عناصر ترتبط بالإنسان المؤهل والديمقراطية والثورة المعلوماتية وما لذلك من تأثيرات ترتبط بالمجال الحقوقي والثقافي والهوياتي.
كما ركز تدخله على أهمية اللغة في فهم الشعوب، مشيرا في هذا الإطار إلى أن اللغة هي مرآة المجتمع وتحمل رؤيته للمحيط، وتوقف عند الأمازيغية في ارتباط مع هذه المنطلقات خاصة مجال التعليم وبسط بعض مميزات الغنى والثراء في هذه اللغة الأصيلة.
أما الأستاذ عدي السباعي أحد نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية، فقد انطلق في تدخله من وضع القضية الأمازيغية في سياقها التاريخي مؤكدا على أن لكل قضية ذاكرتها. هذه الذاكرة التي تضع عناصر نموها وتطورها وتحكم تقاسيم مستقبلها. كما قدم لمحة تاريخية عن تطور النضال الأمازيغي ببلادنا منذ الاستقلال، بدءا من تأسيس الحركة الشعبية كمنطلق لبلورة السؤال الأمازيغي في سياق تاريخي مطبوع بهيمنة الفكر الوحيد مرورا بالعمل الفردي لمجموعة من الأشخاص والفعاليات الذي تُوج ببداية العمل الجمعوي انطلاقا من سنة 1967. وتوقف عند ما سماه بالمحطات النوعية التي عرفها النضال الأمازيغي حيث أشار إلى أن مرحلة (1956 – 1981) شكلت محطة نضال لم يعبر عن عنوانه الأمازيغي بشكل صريح وذلك ارتباطا بالسياق العام للبلاد، واعتبر محطة (1981 – 1991) محطة بداية التحول حيث عرفت هذه المرحلة أحداثا فرضت تراجعا وكُمونا في العمل الأمازيغي (الاعتقالات – منع مجلة أمازيغ – منع الأنشطة الأمازيغية…) . واعتبر المتدخل محطة 1991 المقرونة بإعلان ميثاق أكادير تأسيسا فعليا للحركة الثقافية الأمازيغية والذي أطر ما تلى هذه المرحلة من انجازات وتراكمات نضالية وصولا إلى البيان الأمازيغي سنة 2000 والخطاب الملكي التاريخي بأجدير الذي شكل تحولا جوهريا في مقاربة الأمازيغية بالمغرب. كما أشار الأستاذ عدي السباعي بناء على هذا المسار إلى التجاذب بين الطابع السياسي والثقافي وجدلية الوطني والدولي في الحقل الأمازيغي، وتساءل عن فشل التنسيق الوطني والدولي، مستعرضا مجموعة من العناصر التي اعتبرها معرقلة للعمل الأمازيغي كنخبوية النضال الأمازيغي والاختراق الإيديولوجي وتنوع المصادر السياسية للموارد البشرية داخل الحركة الأمازيغية والعجز النظري لهذه الحركة في إنتاج فكر سياسي أمازيغي وخط إيديولوجي واضح.
وأكد على أن مرحلة ما قبل الخطاب الملكي بأجدير محكومة بصراع من أجل تحقيق المكاسب وأن ما بعد هذه المحطة تميز عموما بطغيان الصراع حول توزيع وتدبير المكاسب على حد قوله.
وختم تدخله بما سماه بالخيارات الممكنة والتي حددها في ضرورة بلورة تنسيق وطني على أسس جديدة خاصة في ظل أزمة الوسائط السياسية والمدنية وفشلها النسبي في تأطير النضال المجتمعي محذرا من انفراد الشارع بممارسة لغته الخاصة في الاحتجاج.

أما الكاتب والإعلامي والباحث الأستاذ مصطفى عنترة وبعد أن أكد بدوره على ضرورة استحضار كرونولوجيا تطور الحركة الثقافية الأمازيغية باعتبار ذلك سيساهم في فهم موضوعي لهذه القضية، فقد توقف عند التداخل بين الثقافي والسياسي في مقاربة القضية الأمازيغية ورسم خطين متوازيين يتداخلان في محطات ويفترقان في أخرى وهما الخط الجمعوي والخط السياسي مستعرضا في هذا الإطار صيرورة تطور الطرح الأمازيغي داخل الحركة الشعبية منذ النشأة إلى المؤتمر الاندماجي لهذا الحزب. حيث توقف المتدخل في هذا المسار عند فلسفة التأسيس التي كان هاجس الأمازيغية حاضرا فيها بقوة في ارتباط برهان الحريات العامة وإقرار مبدأ التعددية السياسية والثقافية بالمغرب.
واستعرض أيضا عدة مواقف للسيد محجوبي أحرضان باعتباره أمينا عاما للحركة الشعبية آنذاك سواء على المستوى الإعلامي أو على مستوى عمله داخل المؤسسات، مستخلصا أن مقاربة الحركة الشعبية للأمازيغية لم تصل فعلا إلى مستوى مؤسساتي داخل هذا الحزب بل ظلت مرتبطة بعمل الفعاليات داخله.
وبعد توقف السيد مصطفى عنترة عند أبرز التحولات الجوهرية التي عرفتها القضية الأمازيغية والتي أفضت إلى تحول هذه القضية من قضية ثقافية إلى قضية سياسية خلص إلى اعتبار مرحلة ما بعد خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمثابة ميثاق جديد بين المؤسسة الملكية وبين النخب السياسية والجمعوية، محددا الرهانات المطروحة أمام القضية الأمازيغية مستقبلا.

وبخصوص الأستاذة مريم الدمناتي، أحد أبرز الوجوه النسائية في الحركة الأمازيغية والباحثة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فقد ارتأت خلال تدخلها عدم تكرار أسئلة الذاكرة والانكباب على تشخيص الواقع الحالي للأمازيغية وآفاق تطورها المستقبلي، وانطلقت الأستاذة بحكم تجربتها الميدانية، وبعد تحديد الدور الأكاديمي والاستشاري لمؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى تشخيص واقع تدريس الأمازيغية بالسلك الابتدائي، حيث بسطت لوحة تكاد تكون قاتمة عن تعثرات هذا التدريس في مستوياته الديداكتيكية والبيداغوجية وغياب الكتاب المدرسي وتوقف التدريس في بعض الجهات وطغيان التقدير الشخصي والمزاجي في تعامل بعض الأكاديميات الجهوية التابعة لوزارة التربية الوطنية في ممارسة هذا الواجب وتلكؤ أخرى، مستخلصة من هذا الواقع غياب إستراتيجية واضحة لدى الحكومة والفاعلين السياسيين في تفعيل تدريس الأمازيغية.
نفس القياس، حسب الأستاذة مريم الدمناتي، ينطبق على مشروع إدماج الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري وعرقلة هذا الإدماج تحت يافطة غياب الإمكانيات المادية في وقت تتوالد فيه قنوات موضوعاتية أخرى، موضحة أن هذا الملف جاهز وأن المعهد الملكي قام بدوره ولا تنقص إلا الإرادة السياسية لإخراج هذا المولود المنتظر إلى حيز الوجود. ولم يفت الأستاذة أيضا خلال تدخلها إلى أن تحدد في نظرها الوضع الاعتباري للقضية الأمازيغية داخل صراع إيديولوجي مضاد يخدم توجهات معينة لا تمت إلى مصلحة الأمازيغية في شيء، مؤكدة في ختام تدخلها على ضرورة توحيد جهود كافة الفاعلين السياسيين والجمعويين والأكاديميين لتعزيز العمل الأمازيغي وفرض مطالبه معتبرة أن لا مستقبل للأمازيغية إلا في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.

أما الأستاذ حسن المعوني، رئيس جمعية تخليد ذكرى خطاب أجدير والمناضل الذي واكب تطورات الملف الأمازيغي، فقد دعا إلى استخلاص العبر من الصراع العام الذي حكم تطور القضية الأمازيغية، مشددا على الطابع السياسي لهذه القضية. وأن ما يعرفه إنصافها من مقاومة أساسه إيديولوجي وسياسي، متوقفا بدوره عند محطات تاريخية تؤكد هذه الخلاصة. ووضح السيد حسن المعوني الأبعاد الفلسفية التي كانت وراء تأسيس جمعية تخليد ذكرى خطاب أجدير الذي اعتبره مرجعا أساسيا لإدماج إيجابي للأمازيغية مؤساستيا وتنمويا. وتوقف كذلك عند واقع تعليم الأمازيغية مؤكدا على ضرورة خلق مؤسسة حكومية تشرف على تدبير ملف الأمازيغية. وبخصوص الوضع التنظيمي للحركة الأمازيغية بصفة عامة، فقد دعا المتدخل إلى ضرورة خلق آلية تنظيمية واسعة تجمع جهود كافة الفاعلين الأمازيغيين حددها في اقتراح فيدرالية وطنية تؤحد العمل الأمازيغي في إطار منطق الوحدة في التنوع.
وبعد هذه المداخلات، عرفت الورشة نقاشا موسعا وساخنا شارك فيه ما يناهز 30 متدخلا. وقد توقفت هذه التدخلات في مجملها عند العراقيل التي يعرفها ملف الأمازيغية على المستوى السياسي والحقوقي والثقافي وكذا الوضع الاعتباري والاقتصادي والاجتماعي للمناطق الأمازيغية وانصبت التدخلات أيضا على تقييم تجربة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سواء على المستوى البنيوي أو الوظيفي مسجلة مجموعة من المواقف الهيكلية والتدبيرية التي يعرفها أداء المعهد في تعاطيه مع القضية الأمازيغية.

وبنفس المنطق، تطرقت مجموعة من التدخلات إلى ضعف تعاطي الحركة الشعبية مع الأمازيغية مسجلة أن هذا الحزب لم يحول القضية الأمازيغية إلى قناعة سياسية سواء في خطه الإيديولوجي أو السياسي متسائلة عن إنجازات الحركة في عملها داخل المؤسسات وداخل أجهزتها الحزبية. وفي هذا الإطار، قدم المتدخلون مجموعة من التوصيات والاقتراحات لتصحيح وتدارك هذه النواقص وتحسين الأداء الحركي في مجال العمل الأمازيغي، حتى لا يسقط في مجال التعامل السياسي السطحي مع قضية جوهرية ترهن مستقبل المغرب.
كما توقف عموم المتدخلين عند الوقائع الحقوقية التي تعرفها الأمازيغية في هذه المرحلة كالاعتقالات في صفوف الطلبة الأمازيغيين وأحداث الجنوب الشرقي ومحاكمة مجموعة من النشطاء في هذا الإطار، إلى جانب حل الحزب الديمقراطي الأمازيغي المطروح على أنظار القضاء.
بعد هذه التدخلات التي لا يسمح المجال بسردها كاملة، ولكن من باب الأمانة العلمية فهي كلها موثقة، أجاب الأساتذة المتدخلون على مجموعة من الأسئلة والملاحظات الواردة في المناقشة حيث تم التأكيد على أهمية ما يقوم به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية اعتبارا لمحدودية دوره والدعوة إلى تجاوز الأحكام المطلقة في هذا الإطار.
كما كانت هذه الردود مناسبة لتوضيح ما جاء في مجموعة من التدخلات بخصوص الحركة الشعبية حيث تم التأكيد على أهمية ما قام به هذا الحزب لصالح الأمازيغية والأمازيغيين وإن بدرجة نسبية في غياب أي منظور انتهازي أو استغلالي لهذه القضية كما يعتقد البعض، وأن الحزب ظل مؤمنا بعدالة هذه القضية ومؤمن أيضا بترسيمها وإدماجها في مختلف مناحي الحياة العامة سواء في وثائقه وأنظمته القانونية أو في مختلف المبادرات التي تقدم عليها الحركة الشعبية، والتي لا ترتبط بتغيير مواقعها السياسية. ومن ضمن هذه المبادرات، تحضر أشغال هذه الجامعة التي تريدها الحركة أن تكون فضاء للحوار ومناسبة أخرى تمد فيها الحركة الشعبية يدها إلى الفاعلين والغيورين على القضية الأمازيغية لترسيخ منظومة العمل المشترك.
بعد ذلك، رفعت أشغال هذه الورشة التي استغرقت أكثر من 5 ساعات.

وقبل أن أختتم، أود التأكيد على أنني توخيت الموضوعية قدر المستطاع في إنجاز هذا التقرير آملا أن أكون أمينا في نقل ما راج داخل هذه الورشة. مؤمنا كذلك في هذا الإطار على أن الإنسان لو خلق كاملا لما احتاج أن يطمح في الكمال.

الرباط – الحركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى